ما المسجد بناء ولا مكاناً كغيره من البناء و المكان ، بل هو تصحيح للعالم الذي يموج من حوله و يضطرب ، فإن في الحياة أسباب الزيغ و الباطل و المنافسة و العداوة و الكيد و نحوها ، و هذه كلها يمحوها المسجد إذا إجتمع الناس مراراً في كل يوم على سلامة الصدر و براءة القلب و روحانية النفس .. ولا تدخله إنسانية الإنسان إلا طاهرة منزهة مسبغة على حدود جسمها من أعلاه و أسفله شعار الطهر الذي يسمى الوضوء .. كأنما يغسل الإنسان آثار الدنيا عن أعضائه قبل دخوله المسجد .
ثم يستوي الجميع في هذا المسجد استواء واحداً ، و يقفون موقفاً واحداً ، و يخشعون خشوعاً واحداً ، و يكونون جميعاً في نفسية واحدة ؛ و ليس هذا وحده ، بل يخون إلى الأرض جميعاً ساجدين لله .. فليس لرأس على رأس ارتفاع ، ولا لوجه على وجه تمييز .. و من ثم فليس لذات غلى ذات سلطان ، و هل تحقق الإنسانية وحدتها في الناس بأبدع من هذا؟ و لعمري أين يجد العالم صوابه إلا ههنا ؟
فالمسجد هو في حقيقته موضع الفكرة الواحدة الطاهرة االمصححة لكل ما يزيغ به الإجتماع ، هو فكر واحد لكل الرؤوس ، و من ثم فهو حل واحد لكل المشاكل .. و كما يشق النهر فتقف الأرض عند شاطئيه لا تتقدم .. يقام المسجد فتقف الأرض بمعانيها الترابية خلف جدرانه لا تدخله .
* الرافعي
ــ وحي القلم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق